منهجية وتقنيات البحث التربوي والعلمي
العلم هو الدراسة الممنهجة للظواهر من أجل الحصول معرفة حول العالم. ينطلق العلماء من مصادرتين أساسيتين: المصادرة التي تقول بالحتمية، والمصادرة التي تقول بأن وسيلة اكتساب المعرفة العلمية تكمن في الدراسة الأمبريقية بدل الدراسة التأملية.
1. الإيمان بمبدإ الحتمية:
هل تؤمن بان الظواهر تنشأ عن الصدفة أم أنها نتاج مجموعة من الحوادث ؟ ينحاز معظم العلماء إلى مبدإ الحتمية. فإذا كنت تؤمن بمبدإ الحتمية، فإنك ستنظر إلى تقلبات الطقس على أنها نتاج بعض الحوادث المتعلقة بالأنواء الجوية، وسوف تفسر ظاهرة الإعصار ومدى قوته ببعض المتغيرات المناخية والمحيطية. ويمكنك من خلال تحليل هذه المتغيرات التنبؤ بالإعصار. وإذا كنت لا تؤمن بمبدإ الحتمية، فإنك ستعتبر التنبؤ بحدوث الإعصار وقوته أمرا مستحيلا.
وفي مجال البحث التربوي، فإن النظرة الفلسفية التي تقوم على مبدإ الحتمية تقتضي تفسير سلوك التلاميذ بمتغيرات وراثية ومتغيرات المحيط. وبالنسبة للعاملين في ميدان التربية والتعليم، فإن متغيرات المحيط هي المتغيرات ذات الصلة بانشغالاتهم. يمكنهم دراستها كما يمكنهم التحكم فيها من أجل إحداث تغيير في سلوك التلاميد والرفع من مستوى أدائهم الأكاديمي. فلو كان فعل التعلم خاضعا لعوامل عشوائية لما كانت هناك حاجة للتعليم. لو كان الأمر كذلك لكان التعلم يتحقق بشكل تلقائي وعرضي. بمعنى أنه إذا كان الحظ بجانب التلميذ أمكنه أن يتعلم، وإن لم يحالفه الحظ تعذر عليه اكتساب أية معرفة. أما إذا كنا نعتقد بأن ما نقوم به بوصفنا معلمين ستكون له انعكاسات على سلوك التلميذ، إما إيجابا أو سلبا، فإنه يلزم أن نسلم أيضا بمبدإ الحتمية وأن نفترض ان سلوك التلميذ يتحدد إلى هذا الحد أو ذلك بعوامل المحيط.
2. الإيمان بأهمية الأدلة الإمبريقية:
بالنسبة للعلماء فإن معرفة شيء ما تقتضي الإتيان بأدلة موثوقة وصحيحة لإثبات صحتها. لنعتبر القضية التالية: إن سلوك هذا الطفل تتحكم فيه رغبة فطرية في أن يظهر بمظهر جيد، أي أن سلوك الطفل يتشكل بدلالة رغبة فطرية. وللتاكد من صحة هذه الفرضية يجب أن تكون الرغبة الفطرية قابلة للقياس. كيف يمكن قياسها إذن؟ وكيف يمكن التحقق من الفرضية؟ فإذا تمكننا من إيجاد طريقة لقياس هذا المتغير أصبح من الممكن البرهنة على وجود علاقة بين سلوك الطفل ورغبته الفطرية، وذلك من خلال بيان أن الطفل الذي يمتلك قدرا معينا من تلك الرغبة الفطرية يسلك بطريقة معينة، بينما يسلك الطفل الذي يفتقر إليها بطريقة مختلفة. ويجب التعبير عن أوجه الاختلاف بينهما بطريقة كمية، وصياغة النتيجة في شكل معادلة رياضية. وهنا يكمن الفرق بين الدراسات الأمبريقية التي تطورت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبين الدراسات التأملية السابقة. وتعتبر التجربة العنصر الأساسي في المقاربة الأمبريقية. وتكمن وظيفة التجربة في بيان علاقة الارتباط أو التغاير بين متغيرين أو العلاقة السببية الموجودة بينهما.
مفهوم المتغير
يدل مفهوم المتغير على أية ظاهرة تخضع لتغيرات يمكن رصدها بواسطة مقياس كمي. يمكن القول بعبارة أخرى بأن المتغير هو كل ظاهرة تطرأ عليها تغيرات كمية في ظروف مختلفة. وإذا كان الشيء لا يتغير مهما تغيرت الظروف سمي بالثابت constante.
ويقوم البحث الأمبريقي على التمييز بين نوعين من المتغيرات: المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة. والمتغير التابع هو المتغير الذي تتحدد قيمته بدلالة متغير آخر (المتغير المستقل)، بحيث يمكن صياغة العلاقة الكمية بينهما في شكل معادلة رياضيةعلى النحو التالي y = 3x +5، تتحدد قيمة y بقيمة x. فإذا كانت قيمة x هي 3، تكون قيمة y هي 14.وكلما تغيرت قيمة xتغيرت قيمة y. وفي المقابل، وتظل قيمة y ثابتة في معادلة كهذه y = 3. ولذلك لا يعتبر y في هذه المعادلة متغيرا، بل هو عنصر ثابت.
وفي مجال البحث التربوي، تمثل سلوكات التلاميذ المتغيرات التابعة. يتعلق الأمر بأي سلوك قابل للملاحظة والقياس. ومن أمثلة المتغيرات التابعة ذات الصلة بالبحث التربوي التطبيقي:
- مستويات الأداء في مختلف المواد الدراسية
- أساليب واستراتيجيات التعلم
- مدى قوة الحوافز المدرسية
- صعوبات التعلم
- الاتجاهات نحو المدرسة والعمل المدرسي
- توقعات النجاح
- مدى تكرار السلوك الجانح داخل المؤسسة التعليمية
ويميز الباحثون في علوم التربية بين أربعة أنواع من المتغيرات المستقلة التي تؤثر بشكل من الأشكال في المتغيرات التابعة موضوع الدراسة، وهي:
- مدى توفر الوسائل التعليمية ونوعيتها
- طرق التدريس
- الدعم والتعزيز
- تنظيم محيط التعلم وتدبير الزمن المدرسي
يتعين على الباحث أن يتحكم في هذه المتغيرات بأن يميز في كل واحد منها بين نوعين أو مستويين أو اكثر. فإذا كان اّلأمر يتعلق بطرق التدريس، فإن عليه أن يميز فيها بين نوعين على الأقل ليعرف أي منهما يكون له تأثير إيجابي أكبر في مستوى أداء التلاميذ. وهكذا يمكنه من خلال إجراء تجربة أن يعرف ما إذا كان تغيير طريقة التدريس يؤدي إلى تحسين قدرة تلاميذ الجذع المشترك على التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة ودقة. ويكون سؤال البحث، مثلا، هو: هل يودي تغيير طريقة التدريس إلى تحسين القدرة على التعبير الشفوي باللغة الإنجليزية لدى تلاميذ الجدع المشترك ؟ ويكون عنوان البحث هو: "التأثير الناجم عن تطبيق طريقتين في تدريس مادة اللغة الإنجليزية على الطلاقة والدقة في التعبير الشفوي لدى تلاميذ الجدع المشترك". بحيث يجب ذكر المتغير التابع والمتغير المستقل في عنوان البحث.
وبذلك تكون للبحث الأمبريقي ثلاثة أهداف، وهي:
- وصف الظاهرة
- بيان علاقة الارتباط بين المتغير التابع والمتغير المستقل
- بيان العلاقة السببية بين المتغيرين
ومن هذه الأهداف تشتق ثلاث طرق علمية أساسية أو ثلاثة أنواع من البحوث وهي:
- البحث الوصفي
- البحث عن علاقة الارتباط بين الظواهر
- البحث التجريبي
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق