
انواع البحوث التربوية
1-البحوث الوصفية
يكمن الهدف الأساسي لهذا النوع من البحوث في رصد وملاحظة مجتمع الدراسة خلال فترة معينة. ويقوم الباحث، بطبيعة الحال، بتسجيل أنماط السلوك الملاحظة بطريقة كمية (تردد السلوك) تمكن من قياسها، أي قياس تردد مختلف أنواع السلوك في علاقتها بحوادث ّاخرى.و يكتفي الباحث هنا برصد الظواهر دون القيام بالتحكم في المتغيرات المستقلة. غير أنه من الممكن للباحث أن يخرج في النهاية ببعض الفرضيات حول سلوك التلاميذ، وأن يفصح عن العلاقة المفترضة بينها وبين ظواهر أخرى بطريقة كمية.
يمكن للباحث أن يقوم في إطار هذا النوع من البحوث بجمع بيانات حول عدد التلاميذ الذين يعانون من قصور في الانتباه، ويقضون مدة من الوقت أمام جهاز التلفزيون تفوق المتوسط الملاحظ في مجتمع الدراسة. وهنا يحتاج الباحث إلى استمارة لجمع البيانات حول هذه الظاهرة، بحيث يطلب من التلاميذ الذين تظهر عليهم أعراض قصور الانتباه أن يجيبوا على الأسئلة المتعلقة بكمية بالمدة التي يستغرقونها في النوم. ويكون الهدف هو معرفة إذا كان عدد الساعات التي يقضيها كل تلميذ يوميا في النوم يقع فوق أو دون المتوسط العام. يندرج هذا النوع من الدراسات الوصفية ضمن ما يسمى بالبحوث المسحية. في هذا النوع من البحوث يتم قياس قياس متغير مدة النوم بطيرقة غير مباشرة، أي من خلال تصريحات التلاميذ، بينما يتم قياسه في البحوث التي تقوم على الملاحظة الوصفية بطريقة مباشرة من خلال ملاحظة وتسجيل مدة النوم التي يستغرقها الفرد في النوم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الدراسة لا تهدف إلى بيان الأثر الناجم عن متغير مدة النوم، ولكنها توحي بفرضية وجود علاقة بين المتغيرين.
إجراءات الدراسة الوصفية
يقوم هذا النوع من البحوث على الملاحظة المباشرة للظواهر. وهذه هي الإجراءات التي يتعين على الباحث القيام بها:
- تحديد المتغيرات المراد قياسها
- تحديد عينة البحث واختيار مكان إجراء البحث
- قياس المتغيرات المرتبطة بالتلميذ ومتغيرات المحيط المتضمنة في خطة البحث
- تجميع البيانات على امتداد فترة محددة لضمان قياس المتغيرات في سياق معين
- تقديم البيانات في شكل رسوم بيانية وجداول إحصائية تتضمن التكرارات، والنسب المائوية وما إلى ذلك
ولكن الدراسة الوصفية رغم أهميتها لها حدودها بوصفها دراسة استكشافية فقط. فهي تمكننا من تسليط الضوء على بعض الظواهر، وبيان مدى انتشارها وترددها في ظروف معينة، ولكنها لا تخبرنا عن طبيعة العلاقات التي تربط هذه الظواهر بعضها ببعض، سواء تعلق الأمر بعلاقات الارتباط أو بالعلاقات السببية. ومن هنا كان لابد من اللجوء أيضا، من أجل إيجاد حل للمشكلات، إلى البحوث التي تسعى إلى الكشف عن العلاقات المتغيرات.
البحث في الارتباطات بين الظواهر
يسعى هذا النوع من البحوث إلى معرفة ما إذا كان أحد المتغيرات يتغير بتغير متغير آخر، وتهدف إلى الإجابة على ثلاث أسئلة أساسية:
- هل توجد علاقة ارتباط ما بين المتغيرين قيد الدراسة ؟
- ما طبيعة العلاقة بينهما، هل هي موجبة أم سالبة؟
- ما مدى قوة علاقة الارتباط بين المتغيرين ؟
تكمن أهمية هذا النوع من البحوث في كونها تمكن من صياغة نظريات حول العلاقة بين أنواع السلوك ومستوى الأداء لدى التلميذ. فقد يفترض الباحث مثلا وجود علاقة بين مدة النوم ومستوى الأداء لدى التلاميذ الذين يعانون من قصور الانتباه. وللتأكد من هذه الفرضية، يلجأ الباحث إلى جمع بيانات حول التلاميذ الذين يعانون من هذه المشكلة من خلال قياس المتغيرين (مدة النوم ومستوى الأداء). ثم يقوم بحساب معامل الارتباط لبيان ما إذا كان مستوى الأداء يرتفع كلما ازداد عدد ساعات النوم. لنفترض أن قيمة معامل الارتباط هي r = 0,70. وهذه قيمة موجبة وقوية، وهي تدل على أن مستوى الأداء يزداد بشكل جوهري كلما ازدادت مدة النوم. ولمعرفة مدى قوة هذه العلاقة، يقوم الباحث بحساب r2. حيث يتم حساب مربع قيمة معامل الارتباط (0,70 x 0,70 = 0,49) ، ثم تضرب حصيلة هذه العملية في 100، فنحصل على نسبة التباين المشترك وهي 49%. ومعنى ذلك أن 49% من التباينات الموجودة بين أفراد هذه الفئة من التلاميذ تعزى إلى العلاقة بين متغير مستوى الأداء ومتغير مدة النوم. لنفترض أن قيمة معامل الارتباط هي -0,70، وهنا تكون النتيجة مخالفة للتوقع، بمعنى أنه كلما ازداد أحد المتغيرين قل الآخر. إنها علاقة ارتباط سالبة وقوية. وأما نسبة التباين المشترك فتظل كما هي دون أي تغير (49%). ومعنى ذلك أيضا أن 51% من نسبة التباين الباقية تعزى إلى عوامل أخرى غير معروفة أو لم يشملها البحث. ويرى الخبراء في مجال الإحصاء أن علاقة الارتباط تكون ضعيفة إذا كانت قيمة معامل الارتباط تساوي 0,35 أو أقل، وتكون معتدلة إذا تراوحت بين 0,35و 0,65، وتعتبر قوية إذا تجاوزت 0,65.
وتكمن أهمية البحث في الارتباطات بين الظواهر في كونه يمكن من التنبئ أو التكهن بحدوث ظاهرة ما باحتمال نسبة قليلة من الخطأ إذا كنا على علم بظاهرة أخرى تربطها علاقة ارتباط قوية بها. بحيث يمكن أن نتنبأ، مثلا، بالنتيجة التي سيحصل عليها التلميذ الذي يعاني من قصور في الانتباه إذا كنا على علم بعدد الساعات التي يقضيها في النوم.
وفيما يلي الإجراءات التي يتعين القيام بها في إطار البحث في الترابطات
- تحديد المتغيرات التي يفترض وجودة علاقة ارتباط بينها (ويجب أن تمثل إحدى هذه المتغيرات سلوك التعلم لدى التلميذ(
- تحديد عينة البحث
- قياس المتغير التابع المتعلق بسلوك التعلم لدى كل فرد من أفراد العينة
- تحديد المتغيرات التابعة (طرق التدريس، خصائص المدرسين أو سلوكهم، خصائص المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها أفراد عينة البحث، الخ)
- قياس المتغيرات التابعة
- حساب معاملات الارتباط والقيام بالاختبارات الإحصائية التي تمكن من معرفة ما إذا كانت علاقات الارتباط دالة إحصائيا (احتمال الخطأ يجب أن يكون أقل من %5). ولمعرفة مدى قوتها يتم حساب r2.
وتجدر الإشارة إلى أنه مهما كانت علاقة الارتباط بين متغيرين قوية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية بينهما. يدل معامل الارتباط على وجود علاقة بين متغيرين، ولكنه لا يمكننا من معرفة أيهما السبب وأيهما النتيجة. فإذا افترضنا مثلا وجود علاقة ارتباط موجبة بين مستوى الأداء ومدة النوم، وتوصلنا من خلال حساب معامل الارتباط إلى ثبوت هذه العلاقة، فإنه لا يمكن الجزم بأن الحصول على قسط وافر من النوم الهادئ يتسبب في ارتفاع مستوى الأداء. إذ يمكن ان نفترض العكس فنقول: إن ارتفاع مستوى الأداء يوفر للتلميذ إمكانية النوم الهادئ. وهنا تكمن حدود البحث في علاقات الترابط. ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذا النوع من البحوث لا يضع ضمن خطته عدة للتحكم في المتغير التابع، أي أنها لا تقوم بإحداث تغير في المتغير المستقل لمعرفة ما إذا كان هذا التغير يفضي إلى تغير في المتغير التابع. وهذا ما يقوم به الباحثون في إطار البحوث التجريبية.
هذا بالإضافة إلى أن دراسة الترابط بين المتغيرات في إطار البحوث التطبيقة التي تتناول القضايا المتعلقة بالفصول الدراسية غالبا ما تكون عديمة الفائدة بالنسبة للمدرسين إذا شملت متغيرات تقع خارج المحيط المدرسي الذي يقع تحت سيطرة المدرس. ومن أمثلة ذلك دراسة علاقة الترابط بين درجة انخراط الآباء في الحياة المدرسية ومستوى أداء أبنائهم. فإذا كان باستطاعة المدرس التحكم في المتغيرات المرتبطة بالفصل الدراسي، فإنه لا يستطيع بأي حال من الأحوال التحكم في متغير انخراط الآباء. وإذا ثبت وجود علاقة ترابط قوية وموجبة بين المتغيرين، فإن ذلك لا يفيد المدرس في شيء، إذ لا يمكنه التأثير في متغير الانخراط لتحسين مستوى أداء التلاميذ الذين لا يولي آباؤهم أية أهمية لما يجري في المؤسسة التعليمية. هذا بالإضافة إلى أن علاقة الترابط بين هذين المتغيرين لا تنفي إمكانية الحد من التأثير السلبي الناجم عن عزوف بعض الآباء عن الاهتمام بالشأن التربوي من خلال تحسين بعض المتغيرات المرتبطة بالمدرس أو بالفصل الدراسي كأسلوب التدريس، وتدبير الفصل، وعمليات التفاعل، والوسائل البيداغوجية، وما إلى ذلك. ولعل إدراج المتغيرات التي تقع خارج نطاق سيطرة المدرس في البحوث التربوية التطبيقة هو ما ينشر الاعتقاد لدى العاملين في الحقل التربوي بعدم جدوى البحث التربوي.
2-البحوث التجريبية
إن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق المدرسين تكمن في تغيير سلوك التلاميذ وعادات العمل المدرسي من أجل الرفع من مستوى أدائهم. ولذلك كان البحث التجريبي الذي يكشف عن العلاقات السببية بين المتغيرات أكثر أهمية بالنسبة للمدرسين مقارنة بالبحث في علاقات الترابط. إن فهم سلوك التعلم لدى التلميذ لا يتحقق إلا إذا كان باستطاعة المدرس أن يقرر بأن وجود المتغير 'أ' يتسبب في وجود المتغير 'ب'، وأن لا يكتفي بالقول بأن المتغير 'ب' مرتبط بالمتغير 'أ'. ولكي يتمكن الباحث من الكشف عن العلاقة السببية بين متغيرين، فإن عليه أن يحدث تغييرا في المتغير المستقل ليرى ما إذا كان التغيير الطارئ على هذا المتغير يرافقه تغيير في المتغير التابع. وسوف نكتفي هنا بالتعريف بنوعين من التصاميم التجريبية: التصاميم التجريبية التي تقوم على الاختبار وإعادة الاختبار المطبق على مجموعة واحدة، والتصاميم التجريبية التي تشمل مجموعتين (المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبية)
1. تقنية الاختبار وإعادة الاختبار
لنفترض أن أستاذا ما أراد أن يعرف ما إذا كان تلقين علوم الحياة والأرض بواسطة تقنيات المعلوميات أكثر فعالية من الطريقة التقليدية التي لا تستعمل فيها هذه الوسائل. يمكن صياغة سؤال البحث على النحو التالي: ما هي طريقة التدريس التي تمكن من تحسين القدرات الأكاديمية للتلميذ، هل هي الطريقة التقليدية أم طريقة التدريس باستخدام تقنية المعلوميات ؟ وافترض أن الطريقة الثانية أكثر فعالية من الطريقة الأولى. ولتحقق من هذه الفرضية، يتعين عليه وضع خطة للبحث تتضمن الإجراءات التالية:
- قياس المتغير التابع قبل إدخال تقنية المعلوميات في تدريس مادة العلوم
- قياس المتغير التابع بعد فترة من التدريس بواسطة تقنية المعلوميات
- مقارنة متوسط نقط الاختبار الأول بمتوسط نقط الاختبار الثاني.
إذا ثبت وجود فرق جوهري بين الاختبارين، أمكن القول بأن المتغير المستقل (أسلوب التدريس) يؤثر في المتغير التابع (مستوى الأداء). وللتأكد من أن لفرق بين متوسطات النقط دال إحصائيا (احتمال الخطأ أقل من %5) يلجأ الباحث إلى بعض الاختبارات الإحصائية كاختبار 'ت' t-testأو اختبار التباين الأحادي ANOVA à un facteur . ومع ذلك فإنه لا يمكن الجزم بأن التغير الملاحظ في مستوى الأداء بعد إجراء التجربة جاء نتيجة لاستخدام تقنية المعلوميات في التدريس، قد تكون هناك عوامل أخرى قد تدخلت خلال الفترة الممتدة بين الاختبار الأول والاختبار الثاني لتؤثر في المتغير التابع. ولذلك لا يلجأ الباحثون إلى هذا النوع من التصاميم التجريبية إلا إذا تعذر عليهم الحصول على عينة ضابطة إلى جانب العينة التجريبية. ولذلك يفضلون استخدام التصميم التجريبي ذي المجموعتين.
2. التصميم التجريبي ذو المجموعتين
وهو تصميم يشتمل على مجموعتين: المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبية. يقوم هذا النوع من التصاميم التجريبية على توزيع التلاميذ بطريقة عشوائية إلى مجموعتين متماثلتين: المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة. وأما المجموعة التجريبية فهي المجموعة التي يتم تعريضها لتأثير متغير معين (أسلوب تدريس جديد)، في حين تظل المجموعة الثانية في منأى عن ذلك التاثير (عدم استخدام أسلوب التدريس الجديد ومواصلة التدريس بالطريقة التقليدية). ومن ثمة يقوم الباحث بإجراء مقارنة بين المجموعتين ليرى ما إذا كان المتغير المستقل قد أحدث تغييرا في سلوك أفراد المجموعة التجريبية مقارنة بأفراد المجموعة الضابطة التي لم يتم تعريضها لتأثير المتغير المستقل. ذلك أن تأثير المتغير التابع ينكشف من خلال مقارنة مستويات الأداء بين المجموعات التي شملها البحث. تبين الخطاطة التالية مكونات ومراحل تطبيق التصميم التجريبي ذي المجموعتين:
المجموعات | الاختبار القبلي | التجربة | الاختبار البعدي |
التجريبية | الاختبار الأول | إحداث تغيير في المتغير المستقل (اعتماد طريقة جديدة في التدريس) | الاختبار الثاني |
الضابطة | الاختبار الأول | إبقاء الوضعية على حالها (الاستمرار في التدريس بالطريقة التقليدية) | الاختبار الثاني |
ولمعرفة ما إذا كان تغيير أسلوب التدريس قد تسبب في ارتفاع مستوى الأداء، يتم استخدام التقنيات الإحصائية المعدة للمقارنة بين المتوسطات كاختبار 'ت' السابق الذكر. فإذا كان الفرق بين متوسط الاختبار الأول ومتوسط الاختبار الثاني لدى المجموعة الضابطة غير دال أحصائيا، وكان متوسط المجموعة التجريبية أكبر من متوسط المجموعة الضابطة مع وجود فرق دال احصائيا بينهما، قلنا بأن أسلوب التدريس الجديد هو السبب في ارتفاع مستوى أداء التلاميذ.
من هنا تتبين لنا أهمية البحوث التجريبية التي تندرج ضمن البحث التربوي التطبيقي من حيث أنها تمكننا من التمييز بين أساليب التدريس الأكثر فعالية وأساليب التدريس الأقل فعالية، وتكشف عن العلاقات السببية بين ظواهر السلوك الملاحظة لدى التلاميذ وعوامل المحيط المدرسي (أساليب التدريس، سلوك المدرسين أو خصائصهم، الخصائص التنظيمية أو خصائص المؤسس التعليمية، الخ)
ملاحظة السلوك من خلال دراسة الحالة
إن ملاحظة السلوك تقتضي بلورة اداة للملاحظة أو شبكة ملاحظة السلوك. تمكن ملاحظة السلوك من بلورة تعريف إجرائي للظاهرة المراد رصدها من خلال تحديد سلوك خاص وقابل للملاحظة المباشرة دون اللجوء إلى الاستنتاج في تحديده. ومن امثلة السلوك القابل للملاحظة المباشرة: طريقة الجلوس، والوقوف، والمشي، والضرب، والركل، وخرق قواعد الفصل المحددة سلفا والمتفق عليها، كعدم إحداث الضجيج ، والتحدث مع الآخرين خلال حصة الدرس، وعدم الامتثال لتوجيهات ومطالب المدرس، الخ. هذه سلوكات يمكن ملاحظتها بشكل مباشر من غير أن يلجأ الباحث في تحديدها إلى الاستنتاج أو الاستدلال. وأما السلوكات غير القابلة للملاحظة المباشرة فهي، على سبيل المثال، العصابية، فرط الحركة hyperactivité، الاحترام. إن هذه الظاواهر لا تقبل الملاحظة المباشرة والقياس ما لم يتم تحديدها بشكل إجرائي. وفي المقابل يمكن أن نرى طفلا يضرب طفلا آخر أو يقوم بتخريب بعض المعدات أو لا يمتثل لطلب المدرس، وما إلى ذلك من السلوكات العيانية الظاهرة. يمكن للمدرس أن يلاحظ هذه السلوكات ويرصد مدى تكرارها لدى تلميذ معين خلال فترة محددة. وفي المقابل، لا يمكنه ملاحظة ظاهرة فرط الحركة. لأن 'فرط الحركة' هو مفهوم مجرد يدل على مجموعة من السلوكات. ولا يمكن بالتالي قياس متغير فرط الحركة خاصة وأن هناك تعريفات متعددة لهذا المفهوم. ووإذا كان لتشخيص هذه الظاهرة ما يبرره لدى علماء النفس الإكلنيكي، فإنه يظل غير ذي جدوى بالنسبة للباحثين في مجال البحث التربوي التطبيقي، لأنه مفهوم مجرد، ولا يصلح بالتالي استخدامه في البحث التربوي التطبيقي كمتغير تابع قابل للقياس. وكذلك فإن وصف تلميذ ما بأنه كسول او مشاغب أ مندفع هو وصف غير لائق، لعدم استجابته لشرط الثبات عند ملاحظ سلوك ذلك التلميذ من طرف ملاحظين متعددين، حيث إنه من الممكن ان يقدم لنا كل ملاحظ معلومات تختلف عن ملاحظات غيره، وذلك حسب تصوره لما يدل عليه المفهوم. ماذا يعني ان يكون الفرد كسولا او مشاغبا أو مندفعا؟ لابد أن يلجأ كلا ملاحظ لقياس ما تدل عليه هذه المفاهيم إلى مؤشرات معينة قد تختلف اختلافا كبيرا من ملاحظ إلى آخر، وقد تختلف لدى نفس الملاحظ من فترة إلى أخرى باختلاف مزاجه. ولذلك يتعين على الباحث تعريف المفهوم الدال على المتغير التابع تعريفا إجرائيا. ومعنى ان يكون المفهوم إجرائيا هو ان يكون قابلا للملاحظة المباشرة والقياس.
وللقيام بهذا النوع من البحوث، يتعين على الباحث أن يضع جدولا زمنيا لملاحظة في مكان معين كالفصل الدراسي مثلا. وقوم بعد ذلك بتسجيل عدد الحالات التي يطهر فيها السلوك لدى عينة التلاميذ الذي شملهم البحث. وهكذا يتم تسجيل الملاحظات خلال عدد محدد من الدورات أو الفترات الدراسية. وتتحدد كل دورة من دورات الملاحظة بعدد الحصص التي أجريت فيها الملاحظة.
وهذا مثال يوضح طريقة الملاحظة من خلال دراسة حالات خاصة: لنفترض أن باحثا قرر أن يرصد نوعا من أنواع السلوك المضر بالسير العادي للدراسة، وكيف تؤثر بعض أنواع التدخل في معدلات حدوث التشويش. فإن عليه أن يجري الملاحظة داخل ثلاثة فصول دراسية، مثلا، وأن يضع جدولة زمنية للملاحظة تكون متماثلة في كل فصل، بمعنى أن يختار عينات متماثلة من الفترات الدراسية تتوزع على مدى أسبوع أو أسبوعين، ثم يقوم بملاحظة كل فصل ثلاث مرات لمدة 15 دقيقة في كل مرة وفي كل يوم دراسي يتألف من 6 ساعات. يبين الجدول التالي جدولة الملاحظات ويبين اوقات بدايتها:
فترات الملاحظة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث |
1 | س 9 و 15 د | س 10 و 15 د | س 10 و 45 د |
2 | س 9 و 45 د | س 11 و30 د | س 10 و 30 د |
3 | س 2 و 30 د | س 2 و 45 د | س 2 و 15 د |
لاحظ كيف تتوزع فترات الملاحظة بشكل متماثل بين الفصول الثلاثة. ويمكن تنفيذ هذه الخطة خلال أسبوعين اوثلاثة أو أكثر.
ويقوم الأستاذ-الباحث بعد ذلك بحساب عدد تكرار السلوك الملاحظ ونسبها المئوية لدى كل تلميذ. فإذا كان الأمر يتعلق، مثلا، بملاحظة مدى استجابة التلميذ لطلب المدرس بإنجاز بعض المهام الدراسية، فإنه يمكن عرض النتائج المحصل عليها من طرف كل تلميذ خلال أسبوع واحد على النحو التالي:
فترات الملاحظة | الاستجابة | نسبة الإنجاز |
10 دجنبر | 4 | 5:4 |
11 دجنبر | 2 | 5:2 |
12 دجنبر | 5 | 6:5 |
13 دجنبر | 5 | 5:5 |
وهذا مثال آخر يوضح طريقة الملاحظة المباشرة والمتكررة في إطار دراسة الحالات الخاصة. واجه أحد المدرسين مشكلة تتعلق بتدبير الفصل وأراد أن يجد لها حلا. عندما يطلب من التلاميذ قراءة نص قراءة صامتة لمدة عشرين دقيقة، يلاحظ أن بعضهم لا يمتثلون لطلبه، بسبب أن أشياء أخرى تصرف انتباههم عن متابعة القراءة، ويتبادلون اطراف الحديث بينهم. وقرر أن يرصد سلوك ثلاثة منهم خلال حصة القراءة لمدة سبعة أيام. يستعرض الجدول التالي نسب الوقت الذي يستغرقه كل تلميذ في القراءة خلال المدة المحددة:
الوقت الذي يستغرقه الفرد في القراءة بالنسب المئوية (%)
التلاميذ | اليوم الأول | اليوم الثاني | اليوم الثالث | اليوم الرابع | اليوم الخامس | اليوم السادس | اليوم السابع |
1 | 25 | 17 | 19 | 45 | 54 | 35 | 32 |
2 | 55 | 60 | 45 | 48 | 68 | 44 | 50 |
3 | 27 | 30 | 44 | 29 | 62 | 48 | 52 |
تمكن هذه الطريقة من تتبع سلوك التلميذ لمعرفة ما يطرأ عليه من تغير عبر مرور الزمن، وما إذا كان لتدخل المدرس دور في تعديل السلوك المضطرب.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق